بريس تطوان
من المعلوم أن الأمراء الأدارسة المنحدرين من إدريس بن عبد الله بن الحسن المثنى بن الحسن بن علي بن أبي طالب المتوفى سنة 177 هـ حكموا الجزء الشمالي من المغرب طيلة قرنين من الزمان، اتخذوا في بدايتهما فاس عاصمة لهم، ثم انكمشوا في مطلع القرن الرابع للهجرة في جبال غمارة (منطقة جبالة الحالية) بفعل الصراع بين الأمويين بالأندلس والعبيديين في شمال إفريقيا ثم مصر، والذي انتهى بتوطيد دعائم النفوذ الأموي بالشمال منذ 375 هـ والقضاء نهائيا على إمارة الأدارسة.
وبسبب تأرجح ولاء الأمراء الأدارسة بين الأمويين والفاطميين، فقد تعرضت الأسرة إلى النكبة والتنكيل من الطرفين معا، ولهذا كما يقول ابن خلدون: “افترقت الأدارسة في القبائل وانتشروا في الأرض، ولاذوا بالاختفاء إلى أن خلعوا شارة ذلك النسب واستحالت صبغتهم منه إلى البداوة…”.
وبعد قرون عديدة من الانزواء، أعاد المرينيون خلال القرن الاثامن الهجري/ الرابع عشر الميلادي، المكانة المرموقة للشرفاء الأدارسة المنحدرين من البيت النبوي، وازداد الاعتناء بهؤلاء الشرفاء والامتيازات الاجتماعية التي تمتعوا بها خلال القرن الخامس عشر الميلادي، مما جعل الكثير من العائلات الجبلية المنحدرة من الأدارسة تعلن عن وجودها وتجتهد في إخراج الوثائق التي تثبت نسبها الشريف، وفي نفس الوقت ظهرت عدة أسر لا علاقة لها بالشرف ادعت هذا النسب كي تفوز بالإعفاءات الضريبية والامتيازات الاجتماعية التي تمنع بها الشرفاء.
وكان نصيب قبيلة الحوز من العائلات الإدريسية كبيرا، إلا أن معظمها جاءت إلى الحوز مهاجرة من قبائل جبلية أخرى كبني عروس أو غمارة، وظهرت في القبيلة مداشر ينحدر كل سكانها من أصول إدريسية، ونعني هنا على الأخص مدشر بني عمران بالحوز الصديني كما عرفت بعض القرى ظهور عائلات شريفة تمكنت من حيازة نفوذ روحي ثم سياسي واسع بالقبيلة كحال الأسرة الزواقية بمدشر الكوف البحري، والأسرة البقالية بمدشر سمسة الصديني… ومن بين العائلات الحوزية المنحدرة من أصول إدريسية نجد:
– الخمال: توجد هذه الأسرة بعداة مداشر حوزية منها على سبيل المثال مدشرا أكلا ووادي أكلا الحوز الصديني، وهذه الأسرة حسب ما نثبت بعض المشجرات تنحدر من الشرفاء الأدارسة العمرانيين، وهم من ذرية عبد الله بن إدريس، وأولتهم مثلهم مثل سائر العمرانيين من قرية تلنبوط بقبيلة بني زجل الغمارية والواقعة حاليا على الطريق النازل من الشاون إلى شاطئ وادي لو. وكانت هذه الأسرة تدعلى قديما بأولاد الرصاع، وابتداء من القرن العاشر الهجري/ السادس عشر للميلاد بدأت هذه الأسرة تتفرق من موطنها الأصلي، فترل فرع منها بالحوز وآخر بقبيلة الخلط الأعرابية وببني كرفط وفحص طنجة وبجامع موسى بن نصير من قبيلة بني حسان… كما سكنت فروع من هذه الأسرة تطوان وطنجة في أزمة مبكرة.
– الفرنيوي: أسرة متواجدة بمدشر العنصر من الحوز البحري، واصلها من مدشر أدياز العروسي، وإن كان لقبها (الفرنيوي) يحيل على مدشر أفرنو الأعلى من الحرم العلمي بالقبيلة العروسية، وهو من ذرية محمد بن القطب الشهير عبد السلام بن مشيش بن ابي بكر بن علي بن أبي حرمة بن عيسى بن سلام العروس بن أحمد الملقب ب “مزوار” بن علي بن محمد بن إدريس بن إدريس الأكبر.
– الزواقي: توجد هذه الأسرة بأعداد كبيرة في مدشر الكوف من الحوز البحري، وقد تمتعت بنفوذ دينس وصوفي كبير في القبيلة، وتدعي هذه العائلة النسب الشريف، إذ تنحدر من سلالة أحمد بن إدريس بن إدريس، وكان أجدادهم يقيمون بحصن فازاز، ثم ارتحل أحد هؤلاء الأجداد وهو أحمد بن كنون إلى قبيلة بن مسارة الجبلية بإقليم وزان الحالي، وهناك عرفواب “الشرفاء الكنونيين”، وأسس فرع منهم مدشر “الزواقيين” ببني مسارة، ومنه رحلت طائفة إلى مدشر الكوف الحوزي، حيث احتفظوا بلقب “الزواقي” نسبة موطنهم القديم، وقد قدر الفضيلي عددهم ب “مائة دارط.
– شتوان: أسرة إدريسية متواجدة بأعداد قليلة وخاصة بمدشر وادي الليل بالحوز البحري البحري، وأصلها من قبيلة بني يدر الجبلية.
– البراج: أسرة قديمة التواجد بمدشري القلالين وبني سالم من الحوز البحري، ويقال بأنها من ذرية الأمير حمزة بن إدريس الذي نسب البعض إليه بناء برج القلالين الواقع وراء حومة أبي سافو الداخلة في المجال الحضري لتطوان.
– ابن عجيبة: أسرة ذائعة الصيت في المنطقة الشمالية، وموطنها بقبيلة الحوز الصديني مدشر اعجيبش، وهي عائلة صوفية علمية اشتهرت بانتمائها للطريقة الدرقاوية، وأنجبت الكثير من العلماء، وكانت الأسرة قديما تعرف ب “أولاد الحجوجي” وعرفت بالانتساب إلى الأمير أحمد بن إدريس الثاني، لكنها نوزعت في شرفها، وقد عاشت في الأندلس لفترة طويلة، وبالضبط في ناحية إشبيلية ثم غادرتها إلى سبتة، وبعد سقوط هذه الأخيرة في يد النصاري، انتقل أولاد ابن عجيبة إلى محيط المدينة ونزلوا بالموضع الذي صار يعرف بهم في حوز تطوان، ومنه تفرقوا في البلاد، ولهم وجود كبير جدا في قبيلتي أنجرة وبني سعيد.
– العلوي أو “مريبطو”: توجد بمدشر العلاوية أو العلوية من الحوز الصديني، وأصل هذه الأسرة من بني حمود الأدراسة حكام مالقة في بداية عصر الطوائف بالأندلس، ونسبهم إلى حمود بن ميمون بن أحمد بن علي بن عبيد الله بن عمر بن إدريس بن إدريس بن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب. وكان حمود يسكن مدشر “تازغدرة” من بلاد غمارة، ثم دخل الأندلس مع جملة البربر الذين نقلهم إليها الملك المنصور بن أبي عامر بعد استئصاله لدولة الأدارية في شمال المغرب، وحينما قامت الفتنة في قرطبة منذ عام 399هـ، طمع الحموديون في أخذ الخلافة لأنفسهم بدل بني أمية، فأعلن علي بن حمود بن ميمون نفسه خليفة وزعم أن هشاما المؤيد بالله أوصى له بها، وحارب بني أمية وانتصر على خليفتهم سليمان المستعن وقتله، ثم اغتاله بعض خدمه عام 407هـ، وبعد سنوات من الحروب بين بني حمود وأنصارهم البربر وبني أمية وأنصارهم من العرب والفتيان العامريين، ألغيت خلافة بني أمية سنة 422 هـ، وظهرت بدلها دويلة بني جهور الطائفية، في حين أسس بنو حمود في الجنوب إمارتين إحداهما في مالقة تزعمها يحيى بن علي بن حمود، والأخرى في الجزيرة الخضراء تزعمها القاسم بن حمود. ودخلت الإمارتان في صراع طاحن مع بني زيري حكام غرناطة، وبني عباد أصحاب إشبيلية، انتهى بقضاء بني زيري على طائفة مالقة وخرج آخر حكامها محمد المستعملي بن إدريس بن يحيى بن علي بن حمود إلى مليلية، وقضاء بني عباد على طائفة الجزيرة الخضراء التي خرج أميرها القاسم الملقب ب “الواثق بالله” بن محمد بن القاسم بن حمود إلى سبتة ثم ألمرية. وسكن أحد أحفاد الحوديين سبتة، ويدعى عبد الله الملقب ب “العلوي”، ثم تركت ذريته مدينة سبتة واستقروا بسفح جبل الدرقة بينها وبين تطوان حيث أسسوا مدشر العلوية من قبيلة الحوز.
– ابن موسى: أسرة إدريسية كبيرة لها تواجد بمدشر فندلاوة من الحوز الصديني، ومنها بيت بمدشر بني عمران أيضا، وهي من ذرية موسى بن مشيش شقيق القطب عبد السلام بن مشيش.
– الأسرة العمرانية التي تفرعت من مدشر بني عمران بالحوز الصديني، وهي: ابن حمزة، والبحري، وحلتوت، ومفتاح، والطلوبي، وابن هنية، والسميلي، والبراق، والرواس، والعمراني. هذا علما بأن أسرة الرواس خرجت من المدشر المذكور واسست مدشرا خاصا بهذا الحوز الصديني سمي ب “ارواوس”. وبقيت أسرة البراق موضعا للتساؤلات حول مدى صحة شرفها، علما بأن هذه الأسرة يوجد فرع منها أيضا بمدشر أسرور من الحوز البحري.
– الأسرة البقالية: ومن المعلوم أن هذه الأسرة وقع التراع الشديد حول شرفها أو عدمه بين النقباء، وحسب ما ورد في المشجر الرسمي المعتمد لدى الأسرة فإن الجد الأعلى للأسرة يخلف الملقب بالبقال هو ابن محمد بن سليمان بن علي بن محمد بن علي بن سالم بن عبد الرحمن بن عبد الكريم بن طلحة بن جعفر بن محمد بن موسى بن يحيى بن علي بن يوسف بن محمد بن سليمان بن حمزة بن إدريس بن إدريس الأكبر. وكان الأولون من هذه الأسرة الوافدة حسب ما يقال من الساقية الحمراء يقيمون في مدشر فيفي من قبيلة أغزاوة الجبلية، ومنه تفرقت فروعهم في سائر القبائل الشمالية سواء الجبلية أو الريفية، وأما المتواجدون منها في حوز تطوان، فإنهم وفدوا من أغزاوة في نهاية القرن العاشر الهجري/ السادس عشر الميلادي، وأول من نزله منهم هو الولي الصالح أحمد بن قاسم بن محمد بن عبد الله الحاج بن أحمد بن محمد بن يخلف البقال، وكانت وفاته حوالي 1000هـ/ 1591، ودفن بمدشر سمسة حيث لا يزال قبره إلى حد الآن، ويليه قبر ابنه عبد الرحمن المعروف في سمسة ب “سيدي عبد الرحمن”، ومن صلب أحمد المذكور الفرع الكبير من الأسرة البقالية المعروف ب “البقاليين القاسميين الكبار” نسبة إلى والده قاسم، وكلهم إما ظلوا مستقرين بمدشرهم الأصلي سمسة، وإما غادروه إلى مدشري بني عمران وصدينة بالحوز الصديني أيضا، أو إلى مدشري يوسملال وطوريطا الحزمريين ومدشر الحامة الأنجري ومدشر مرشان بفحص طنجة. ويحمل بعض من بقي منهم بالحوز لقب “البقالي” خالصا، والبعض الآخر لقب “البقالي القاسمي” مركبا، وهم يعدون من أكبر عائلات قبيلة حوز تطوان بأكملها.
المؤلف: بلال الداهية
العنوان: تطوان وباديتها “نبذة تاريخية عن حوز تطوان وبني حزمار
منشورات باب الحكمة
(بريس تطوان)